مرصد الحريات الصحفية

مرصد الحريات الصحفية

الصفحة الرئيسية > قضايا ومقالات > خنازيرلكننا نقرأ

خنازيرلكننا نقرأ

الكاهن والسلطان قررا ان يتشاركا يوما في إدارة الكون، فاخترعا الكتابة لتدوين عقد الشراكة. حينها لم يخيل لهما ان الحروف ستكون مشاعة للعبيد، نحن الذين لم يلدنا امبراطور او كاهن. قالوا يومها: لا تعلقوا الجواهر في اعناق الخنازير، اي اتركوا الجهلة في جهلهم يملأون المعبد بالقرابين النباتية والحيوانية دون ان يفكروا بالسؤال عن المعدة التي ستلتهمها او تبيعها، فالخنازير غير مؤهلة للمعرفة.


يقول مؤرخو الكتابة ان الحروف كانت صعبة المنال، اذ يضطر ابن سومر او وادي النيل، ان يتفرغ للدروس المعمقة كي يحفظ مئات وآلاف الرموز والمقاطع ويتمكن من الكتابة والقراءة، حتى حان دور اوغاريت "سوريا اليوم" فجاء تجار فينيقيون ادمنوا الابحار عبر شواطئ المتوسط، واحتاجوا الكتابة لتقييد تجارتهم وتسجيل حساباتهم، فقلصوا رموز مصر والعراق القديمين من بضعة آلاف الى بضعة وعشرين حرفا يجري تعلمها في أيام قليلة. يضيف المؤرخون ان لحظة اختصار الحروف كانت "انطلاق ديمقراطية المعرفة"، التي بدأت بديمقراطية الحرف وحق الجميع في تعلم الكتابة، ثم تحولت الى حريات اقتصادية وسياسية واجتماعية.


التاجر اذن يحب ان يتزايد عدد المتعلمين كي يعينوه في الوصول الى منبع المال ومآله، اما الكاهن فينتظر في المعبد صباح كل يوم مجيء طوابير غير العارفين بالقراءة والكتابة، حاملين القربان والغنيمة. كما يكفي للسلطان ان يستخدم عصاه لإجبار الجاهل والعارف على الطاعة. القطاع الخاص يحب المعرفة اما القطاع العام زقورة كان ام بلاطا ملكيا، فإنه يفضل إدارة غير العارفين، ويضع الشرط تلو الشرط لتقليص اعداد المتعلمين.
الداعي لهذا الاستذكار، تقرير دولي اكد امس ان عشرين في المائة من العراقيين لا يقرأون ولا يكتبون. التقرير يحذر من ان الأميين لا يسمع لهم صوت في شؤون الادارة والسياسة.


اما الاخطر من تقرير الامم المتحدة فهو ان السلطة تبذل جهدا لتحويلنا جميعا الى اميين، عبر حجب المعلومة وإخفائها. الأمية حاليا تشمل معظمنا نحن الذين نكتب ونقرأ، فالسلطة تحول بيننا وبين معرفة الحقائق الامنية والمالية والخدمية وتريد ان تضحك علينا باسم "محذورات الامن القومي".


تريد السلطة تحويلنا جميعا الى أميين. الطريق سهل لهذا الهدف فيكفي ان تحجب عنك المعلومة كي تحولك الى جاهل وتضيع جهودك العتيدة في تعلم الألف باء. اوباما نفسه يتحول الى شخص جاهل حين يمتنع عليه ان يعرف الحساب الختامي لأموال العراق. تقرير اميركي يحاول التهيئة للانسحاب، احتار امس في إحصاء اموال العراق التي انفقت منذ سبعة اعوام. قال ان المعلومات تفيد بوجود فائض نقدي كبير لدى بغداد. اما العراق فينفي لكنه يعترف بوجود صعوبات لتحديد حجم الاموال الواردة والخارجة وهي مئات الملايين.. يا للعجب.


باختصار فإن الحكومات الماضية والحالية حسب خبرائنا، لم تنته من حساب اموالها الختامي. تسأل المالكي فيقول لك ان الجعفري لم يكمل حساباته. تسأل هذا فيقول لك ان اياد علاوي لم يختم حسابا. تعود لعلاوي فيتذرع بأن بول بريمر لم يسلمه اي حساب او كتاب للنقد المالي العملاق. ولعلك حين تستفهم من بريمر حول ذلك فإنه سيلقي باللائمة على وزير مالية صدام حسين، وصولا الى وزير خزانة سرجون الاكدي الذي كان يكره تسهيل تعلم القراءة والكتابة على الناس، ويفضل انتظار هداياهم المقدمة للآلهة كي يستولي عليها.


ساستنا ينتظرون مجيء القربان والغنيمة، ولا يحبون اعداد حساب ختامي للغنائم. يعملون ايضا على تحويلنا نحن المتعلمين، الى اميين بإخفاء المعرفة والوثيقة.

سيفرح معظم ساستنا حين يسمعون بأن خمس الشعب من الأميين. سيلقون باللائمة على صدام حسين وحروبه، وكأن الاعوام الماضية مجرد نصف ساعة في مطعم وجبات سريعة.

صدام اذن مسؤول عن جهلنا بالقراءة، وهو مسؤول عن عدم امتلاك حكوماتنا الثلاثة مضافا اليهم بريمر، اي قائمة نهائية للمصروفات توضح كم انفقنا وكم ادخرنا.

وزارة المالية قالت لنا امس ان بعض وزارات العراق الجديد تمتنع عن تقديم كشف بالحساب الختامي. الوزارة لم تكشف عن الجهات الممتنعة. لماذا؟

الشيء الاكيد الوحيد الذي اعلمه، ان محاولات السلطة لجعلنا أميين بشأن اموال العراق، لن تنجح الى الابد. الخيوط ستبدأ بالتكشف تدريجيا، طالما بقيت هناك تعددية سياسية وخلافات حزبية. اخفاء الهدر والارتباك المالي الذي ساد كل الحكومات في الماضي، ليس خطيرا جدا ويمكن ان ننساه ونكون أميين بشأنه. لكننا لن نتهاون بشأن المستقبل. عوائدنا من البترول سترتفع ومنظمة اوبك قلقة من "صعودنا النفطي". سننسى "الفلاسين" لكننا لن نتساهل مع "مئات المليارات" المتوقعة.


يا ساستنا... يمكنكم ان تلفوا وتدوروا برهة، وتمتنعوا عن الكشف. ستقولون اننا "خنازير" غير مؤهلين للمعرفة. لكنكم ستعجزون عن ادارة اللعبة الى الابد، وستكتشفون ان هذه الخنازير قادرة على اكتشاف الجواهر وارتدائها. ليست هذه ارادتنا او ارادتكم، بل هي حركة ملزمة ستقترن بعودتنا الى العالم من عزلة صدام حسين وعزلة أمراء الحروب والطوائف. دخولنا الى العالم الجديد سيفضح كل شيء، ويأتي بتاجر فينيقي او اغريقي يحمل الاسرار. الوعي قادم لا محالة، عبر البحار، وكل فجر سيختتم بصباح.

 

 

 

 

  • انتهاكات ضد مجموعة صحفيين غطوا تظاهرة ضد الفساد في حلبجة

  • حصيلة كبيرة للانتهاكات ضد الصحفيين في العراق خلال أيلول

  • الانتهاكات الحكومية ضد الصحفيين استمرت أثناء تغطية ذكرى تظاهرات تشرين

  • استمرار الانتهاكات ضد الصحفيين: تعرض كادر "روداو" في بغداد إلى اعتداء

  • قوة أمنية تعتدي على كادر الرابعة في البصرة بتحطيم المعدات والضرب والاحتجاز

  • وزير الداخلية يقاضي الإعلامي حيدر الحمداني بتهمة القذف والتشهير

  • قانون جرائم المعلوماتية: مُفصّل على مقاس السلطة.. ومخيّب لتطلعات الصحفيين

  • تعرض المراسل فاضل البطاط الى اعتداء على يد أمن فندق غراند ميلينيوم البصرة