مرصد الحريات الصحفية- بغداد
في الوقت الذي تتواصل فيه الانتهاك بحق الصحفيين في عموم العراق، وتعرضهم إلى حملات شرسة طوال السنوات الماضية للتضييق على حرية الصحافة والتعبير عن الرأي، يعاود مجلس النواب طرح مشروع قانون جرائم المعلوماتية، المثير للجدل لاحتوائه على بنود وفقرات تحُدّ من حرية التعبير على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام.
ويتضمن القانون، الذي طرحت مسودته الأولى في الدورة البرلمانية (2010 – 2014) وسُحبت لاحقاً، وأعيد في الدورة البرلمانية السابقة، مواداً عدة تفرض في النهاية تكميم الأفواه تجاه مشاكل تقع ضمن قضايا جوهرية تمس الحياة العامة في العراق.
وسبق لمرصد الحريات الصحفية JFO، ان اصدر تقريراً مفصلاً في عام 2020، سلط فيه الضوء على الثغرات في القانون، في ظل وجود مواد صيغت بعبارات فضفاضة وعمومية.
ويتضمن قانون جرائم المعلوماتية 31 مادة أدرجت تحتها فقرات عدّة، نصّت أغلبها على عقوبات متفاوتة تصل للحبس 30 عاماً، وغرامات مالية تصل إلى 100 مليون دينار عراقي (حوالي 69 ألف دولار) وركّزت تلك الفقرات على المعلومات الإلكترونية، وجعلتها في دائرة الخطر والمساس بأمن الدولة.
تضمّن الفصل الثاني من مشروع القانون المقترح أحكاماً عقابية قاسية قد لا يوجد لها مثيل في تشريعات الدول الأخرى بحسب مختصين، فقد تكررت عقوبة “السجن المؤبد” في المواد: (3 و4 و5 و6) التي تشمل عدداً كبيراً من الجرائم التي لا تقتضي في أغلبها هذا النوع من العقوبة القصوى، ومثال على ذلك الفقرة ثالثا من المادة 6: “نشر أو إذاعة وقائع كاذبة أو مضللة بقصد إضعاف الثقة بالنظام المالي الالكتروني أو الأوراق التجارية والمالية الالكترونية وما في حكمها أو الإضرار بالاقتصاد الوطني والثقة المالية للدولة”.
ويمنح القانون السلطات إمكانية محاكمة المدونين على قضايا مثل إنشاء حسابات إلكترونية بأسماء غير الأسماء الحقيقية لأصحابها، وعدم التفريق بين الانتقاد والسبّ للشخصيات العامة والمؤسسات، وكذلك تقييد الوصول إلى المعلومات وحق نشرها، خصوصاً في ما يتعلق بقضايا الفساد.
كما يحتوي القانون مواد تعطي إمكانية ان تعتبر السلطات المعنية و القضاء العراقي، على سبيل المثال، الحديث عن انتهاك قد يقوم به عنصر أمن بحق مواطن أو سجين أو متظاهر "مساساً بالأمن الوطني"، وكذلك عند انتقاد السياسات المالية والاقتصادية وبيان وجود خلل ما أو قصور فيها، وكذا الحال عند الكشف عن حالات فساد حصلت أو قد تحصل مستقبلاً.
يشار إلى أن العراق جاء في المرتبة 157 عالميا، ضمن مؤشرات مدركات الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية عام 2021.
ويأتي السعي لتشريع قانون "جرائم المعلوماتية" في أعقاب حملة شرسة استهدفت الحريات الصحفية خلال السنوات الاخيرة، قُتل خلالها صحفيين اثنين هما أحمد عبد الصمد ومصوره صفاء غالي في محافظة البصرة جنوبي العراق مطلع عام 2020، واغتيال الخبير الأمني المعروف هشام الهاشمي واختطاف الصحفي توفيق التميمي والكاتب والناشر مازن لطيف في بغداد ، مع حرق مقار وسائل إعلام محلية وأجنبية عاملة في العراق وترويع العاملين فيها وتهديدهم الأمر الذي اضطر بعضهم إلى مغادرة مدنهم أو الهجرة لدول أخرى.
وسبق ان وصف القاضي رحيم العكيلي، رئيس هيئة النزاهة العراقية الأسبق، مشروع القانون بـأنه "خطر جداً"، محذراً من أنه سيكون "شرخاً كبيراً في حرية التعبير إذا شُرع، وحراباً قاسية بيد السلطة لطعن أي متحدث أو معبر عن رأي".
وفيما يؤكد العكيلي على أن "أهمية القانون لا تعني القبول باستخدامه حجة لمصادرة الحريات وتكميم الأفواه"، يوضح أن الانتقاد لا ينصب على القانون كأصل بـ"صياغاته الفضفاضة وتعابيره غير المنضبطة، التي ستجعلنا جميعاً تحت حراب الاستبداد والتعسف والقمع والتنكيل باسم القانون".
و أتم مجلس النواب في جلسته الأثنين (21 تشرين الثاني 2022)، القراءة الأولى لمشروع قانون جرائم المعلوماتية، رغم الجدل والاعتراضات المسجلة عليه.
من جانبه قال الخبير الامني علي التميمي، إنه "لم يضع مشروع القانون تعريفا واضحا للفرق بين النقد والانتقاد وهو المهم مع الاستخدام الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي في حين نلاحظ ان قانون العقوبات ميز بشكل واضح بين السب والقذف والتشهير".
ولفت الى ان "هناك خيوط فاصلة بين {النقد والانتقاد} تحتاج الى الدقة في التمييز والمعيار بين الاثنين هو كل ما يشكل جريمة فما يشكل جريمة هو الانتقاد الذي يعاقب عليها القانون وعكسه النقد الذي هو في السليم ومع ذلك لا يرى الفرق من الرائي بسهولة الا بمعرفة النوايا أي القصد الجنائي الذي يظهره التحقيق"..
واشار الى ان "الأمر الآخر المهم فهو جهة الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي فأرى ان يتم انشاء قسم خاص في هيئة الاعلام والاتصالات يكون بمثابة تعديل لقانون ٦٥ لسنة ٢٠٠٤ ويضمن هذا القسم عدد من المختصين في الاعلام والقانون ويراقب ما ينشر ويكون ارتباطه بالمدير التنفيذي للهيئة وفي حالة ما يشكل جريمة يتم احالته الى المحكمة المختصة حسب الاختصاص المكاني القريبة من الهيئة وترتبط هذه الرقابة بجهاة أمنية أخرى تستلم منها المعلومات".
"هيومن رايتس: المشروع يهدد حرية التعبير"
وفي 8 مايو/أيار 2021، أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش، بياناً قالت فيه إن القانون يسمح للسلطات العراقية بمقاضاة أي شخص يكتب على وسائل التواصل الاجتماعي أو ينشر على الإنترنت ما لا يتوافق مع رؤية السلطات، من خلال اعتبار المحتوى تهديداً تعسفياً للمصالح الحكومية أو الاجتماعية أو الدينية.
وأكدت المنظمة التي تتخذ من مدينة نيويورك الأميركية مقراً لها، أن مشروع القانون يضع "إمكانية معاقبة المعارضة في المجتمع المدني"، علماً أن القانون المطروح اقترح أيضاً فرض قيود خارجية على الاتصالات الإلكترونية. ويمكن للعقوبات التي يفرضها القانون، بما في ذلك الغرامات الباهظة والحد الأدنى من أحكام السجن، أن يكون لها تأثير مثبط على حرية التعبير.
"تجديد للموقف وتذكير"
منذ عقد مضى ومرصد الحريات الصحفية (JFO) يقف بالضد من قانون "جرائم المعلوماتية" الذي ألغي تشريعه عام 2013 بمبادرة من قبل رئيس لجنة الثقافة والإعلام في البرلمان السابق، عن كتلة ائتلاف دولة القانون، علي الشلاه، ونجدد اليوم موقفنا الرافض لهذا القانون بعد طرحه مرة أخرى.
ويؤشر المرصد أن دفع قانون "جرائم المعلوماتية" إلى التشريع، جاء في ظل النقاش الحافل على مواقع التواصل الاجتماعي حول الأوضاع السياسية في البلاد بعد تظاهرات تشرين 2019، التي اتخذ الكثير من الزعماء السياسيين موقفاً سلبياً إزاءها.
ويعلن مرصد الحريات الصحفية (JFO) أن كلّ نائب يروج لتشريع قانون "جرائم المعلوماتية"، سُيدرج اسمه في لائحة سوداء يعدّها المرصد لهذا الغرض ويضعها تحت مرأى المنظمات الحقوقية العالمية.
في السنوات القليلة الماضية، أشرّ مرصد الحريات الصحفية (JFO) تضييقاً مارسته أجهزة رسمية مدنيّة وعسكرية من أجل السيطرة على المعلومات والحد من حرية الصحافة، إذ سعت هذه المؤسسات، من خلال جهود مستديمة، الى فرض قيود على تدفق المعلومات والهيمنة على شبكة الإنترنت، بالتعاون مع وزارة الاتصالات والحد من مستوى المعرفة لدى سكّان العراق، وفرض الرقابة والسيطرة على الشبكة الدولية للمعلومات "الإنترنت" في البلاد وحجبت مواقع الكترونية تابعة لمؤسسات إعلامية إخبارية.