تعتقد هيئة الاعلام والاتصالات العراقية ان الوقت حان كي تدفع وسائل الاعلام المرئية والمسموعة ضريبة استخدام الامواج والترددات في بث موادها الصحفية. وقد ابلغت الهيئة وسائل الاعلام تلك بسداد مبالغ بأثر رجعي عن السنوات السابقة التي تلت العام 2003. لكن الامر جاء بمثابة "مفاجأة كبيرة" للزملاء في تلك المؤسسات حيث وجدوا ان المبالغ "طائلة ومتراكمة" وصلت احيانا الى مليار ونصف دينار على بعض محطات التلفزيون، وحتى المبالغ الاقل بالنسبة للاذاعات تمثل عبئا كبيرا يصعب سداده.
ويمكن للامر ان يتحول الى صراع وتبادل اتهامات بين المؤسسات الصحفية ومسؤولي هيئة الاتصالات الذين نعرف الكثير منهم ايضا كزملاء اعلاميين وصحفيين وكتاب، لديهم صلات سابقة اوحالية بمؤسسات الاعلام العراقي.
ولا احد يريد نفي مبدأ فرض ضريبة على اي نشاط ربحي، والاعلام نشاط ربحي في نهاية المطاف، لكن السؤال اليوم: هل تحولت المؤسسات الصحفية في العراق الى شركات حقا مثل نظيراتها في الدول المستقرة كي نبدأ بفرض ضرائب عليها، ام انها لا تزال في وضع استثنائي للغاية؟
الجواب بالنفي قطعا لمعظم المؤسسات العاملة في البلاد، ذلك ان سوق الاعلان التي تعيش عليها الصحافة لا تزال بدائية محدودة، وتدر عوائد ضئيلة لا تقارن بكلفة الانتاج الصحفي الباهضة في ظروف تفرض على الجميع نفقات اضافية بسبب نقص الامن ونقص الطاقة وسوى ذلك.
وربما كان لدى بعض المؤسسات من "يقوم بإغاثتها"، الا ان المؤسسات الاهلية التي تكافح من اجل ان تبقى انتظارا لانتعاش نأمل ان يأتي ويساعد الجميع على تعزيز اعمالهم وتطويرها.
اي ضريبة اضافية على العمل الصحفي اليوم هي بمثابة دعوة للتوقف عن العمل، في بلاد تحاول ان تجد طريقها نحوتعزيز تقاليد مجتمع منفتح قوامه الاعلام الاهلي.
وقد تنازل الكثيرون عن فكرة ان تقوم الدولة بتقديم تسهيلات لوسائل الاعلام خشية ان يؤدي ذلك الى فقدان الاستقلالية التي تتيح تغطيات شفافة، غير ان التطور الاخير يعني ان الدولة لا تمتنع عن دعم الصحافة فحسب، بل تفرض الضرائب على مشاريع شبه خاسرة تكافح لكي تبقى وسط حقول الالغام التي خسر إعلامنا بسببها كثيرا من منتسبيه كما فقد فرص تطوير وتأهيل وانفتاح عديدة.
الصحافة العراقية بحاجة الى كل فلس متاح لها كي تستثمر في تطوير عملها الذي يظل محدودا مقارنة بالتجارب الاقليمية. ووسط تراجع اجتماعي وسياسي واقتصادي لا يمكن ان نتوقع ظهورا سريعا لتجارب متطورة، رغم ان الحرية "النسبية" التي نأمل ان تبقى وتتعزز، هي فرصة مهمة تميز الاداء العراقي قليلا.
مبدأ الضرائب يحاسب الرابحين، اما الذين يكافحون من اجل البقاء وهم بمثابة خطوة خاسرة ماليا تريد ان تؤسس وتطور في ظروف صعبة، فإن فلسفة محاسبتهم ماليا بهذه الطريقة تظل غامضة وتثير الكثير من الاسئلة.
المهم ان زملاء في العديد من مؤسسات الاعلام المرئي والمسموع يطلقون "نداء استغاثة" ويخشون من المستقبل، وبدأ بعضهم يتصور سيناريوهات اشد قسوة ستكون بمثابة قيود شديدة يمكن ان تؤدي الى اندثار العمل الاعلامي. وهناك خشية من ان يفكر السياسي باستيراد الضوابط "التجارية" الباهضة التي قد يمكن لاعلام في دولة متقدمة ان يتحملها، لكنها ستعني بالنسبة الى تجاربنا المتواضعة إعداما بكل معنى الكلمة.
المطلوب من الزملاء في هيئة الاتصالات مراجعة الموضوع مليا، ومناقشته بصدر رحب مع ممثلي وسائل الاعلام. والامر سيكون مطروحا قريبا على البرلمان وسواه من الجهات ذات الصلة. والقضية تؤكد كذلك غياب التشريعات الواضحة التي تنظم علاقة وسائل الاعلام بالدولة وضوابطها، بما يضمن حرية التعبير التي سيعني اي تقييد اضافي لها ماليا اوسياسيا، القضاء على امل التحديث وبناء التقاليد التي نراهن على ان تساعد في انتشالنا من مشهد الخراب المروع.