مرصد الحريات الصحفية

مرصد الحريات الصحفية

الصفحة الرئيسية > الأخبار والتقارير > زوجة صحفي فرنسي...

زوجة صحفي فرنسي تؤمّل نفسها بإيجاد جثته بين الزبير والبصرة

طالب عبد العزيز
ربما في ذات اللحظة، في اليوم الربيعي، ذاته من العام 2003 الذي خرج فيه ابني أحمد، ابن الثامنة عشرة، ليجلب لي صحيفة الزمان، التي كانت تغطي أخبار الحرب، والتي يوزعها الجنود البريطانيون بالبصرة، ولم يعد حتى غابت شمس الدنيا يومذاك، وقد طال انتظارنا أنا وأمه وأشقاؤه وأبناء زقاقنا الصغير في قريتنا الصغيرة الوادعة على النهر،ربما بذات القلوب التي أوجعتنا ساعتئذ، بذات الدموع التي ملأت مآقينا، وفي تلك اللحظة بالذات اختفى (فريدريك نيراك) الصحفي الفرنسي الذي كان يعمل لصالح تلفزيون الـ (أي تي أن) البريطاني.

لم يكن نيراك جندياً، كان صحفيا حسب، لم يخف في حقيبته مسدسا، أو بندقية، ولا سكينا حتى، هي حقيبة صغيرة بداخلها كاميرا ورزمة أقلام ملونة، أوراق ودفتر مذكرات صغير، كل ما أراد تصويره وكتابته نيراك، الصحفي الفرنسي عن الحرب، جلبه لي ابني أحمد معه في ساعة متأخرة من الليلة تلك، قالوا له: "إن طبعة مسائية للجريدة ستصدر، فيها تغطية إضافية للحرب في البصرة، لعلها من التي التقطتها عين كاميرا نيراك، من التي دونها في دفتر مذكراته، وخطها قلمه، لكن أحمد عاد بأخبار الحرب الجديدة، التي كان فيها الكثير من الصور التي صورها نيراك،عاد لي وفرحت به، ونشفت دموع أمه وأشقائه في اللحظة التي اختفى فيها نيراك.

يقول الذين نجوا من الحادثة: "كان فريدريك نيراك وزملاؤه كل من: المراسل تيري لويد والمصور دانييل ديموسيير والمترجم حسين عثمان قد دخلوا البصرة يوم 22 آذار عام 2003 بسيارتين عن طريق الحدود الكويتية من نقطة سفوان، وفي الطريق بين الزبير والبصرة كان فريق العمل قد وجد نفسه وسط إطلاق نار كثيف من الجانبين، بحيث تحطمت سيارة تيري لويد، الذي أصيب بعيارات نارية، وقتل فيها، فيما حالف الحظ دانييل ديموسيير ونجا، أما فريدريك وحسين عثمان فقد توجها بسيارتهما، لجهة غير معلومة، والتقيا بجنود عراقيين يستقلون سيارة (بيك اب دبل قمارة) هكذا يصوّر البعض الحادثة،التي لم تُعرف تماما، لكن الجزء المؤكد منها، أنهم تعرضوا لنيران من الجيش الأمريكي.

وقتل البعض ممن كانوا في السيارة، واختفت جثثهم، لم يعثر عليها أحد، وإن آخرين جُرحوا، وما زالوا على قيد الحياة، وهم الذين رووا لنا ما تمكنّا من الحصول عليه من الحادثة الموجعة هذه.
عشر سنوات مرت على اختفاء فريدريك، عشر سنوات من الألم والوجع والقهر والدموع مرت على زوجته (فابيان) لكنها ما زالت تؤّمل نفسها برؤيته، بسماع خبر قد يفتح نافذة أمل، ولو صغيرة في العثور عليه، أو لنقل العثور على جثته، فهي تقول :"إن الحادثة وقعت بين الزبير والبصرة، وهي مسافة ليست بطويلة"، لم تقطع الأمل، ولم تيأس، هي تتطلع إلى من يأخذ بيدها، من لديه أدنى فكرة عن الحادث ذاك، وتبحث عمن يدلها على خيط ولو خفي عن زوجها، وهي تعرف آلام الأمهات العراقيات، اللواتي فقدن أزواجهن وأبنائهن وأشقائهن في الحروب، فابيان الأم لطفلين تقول:"أناشد البصريين جميعا،أن يقفوا معي،لأنهم يعرفون ماذا يعني أن تفقد الزوجة زوجها،ماذا يعني أن يسألها أبناؤها عن أبيهم ولا تجد جواباً،بل لا تجد قبرا له"،هي ومنذ السنوات العشر الماضية ترى أن البعض من العراقيين يملكون معلومات مهمة عن حادثة فقدان زوجها فردريك نيراك.

ومن قلب يعتصره الفقد تقول فابيان:" إنها مؤمنة جداً،بوجود أحد،سيأتي لها من العراق - ومن البصرة،سيمدُّ لها يداً رحيمة،رقيقة،حانيةً،من صحراء الغيب الضيقة، التي بين البصرة والزبير،التي ضاع فيها فردريك، ليقول لها خبراً عنه، ما زالت تؤمن بوجود أمل في عثورها على جثته في أقل تقدير، مستحضرة بذلك أحوال مئات الآلاف من النساء العراقيات اللواتي بحثن في المقابر الجماعية عمن فقدنََ، في سلسلة الحروب الطويلة، ذلك لأنها تقف حائرة مع طفليها أمام صور أبيهما، في غرفة النوم، مع أصدقائه وفي أماكن كثيرة قضتها معه، لكنها تجد نفسها عاجزة أيضا في الإجابة عن أسئلة ولديها، اللذين ما زالا يقولان لها: ماما متى يرجع أبونا من سفره؟ بل متى نزور قبره؟ أو أين قبره؟ هذه أسئلة كبيرة، لا تجد معها فابيان إجابة.

هي تبحث عمن يقف معها في محنتها،والأمل،كل الأمل معقود بيد الغيب الندية هذه، بيد العراقيين الذين لن يبخلوا عليها.
 قبل عشر سنوات من هذا اليوم،عاد (أحمد) ابني من غيبته التي لم تدم سوى ساعات قصيرة، ومع نزول قرص الشمس الأخير دخل علينا حاملا صحيفة الأخبار التي كتبها وصورها فريدريك نيراك، لصالح قناة أي تي أن، كانت أحلامنا كلها معلقة في لحظة دخوله البيت، لحظة رؤيتنا له، وقبل أكثر من خمس سنوات تزوج، من البنت التي كان يحبّها، عندهما اليوم ولدان، ونحن سعداء بحياته معنا، لكننا نشترك مع فابيان في لحظة إنسانية واحدة، مع فريديرك وفابيان وأبنيهما،مع تيري لويد والمصور دانييل ديموسيير والمترجم حسين عثمان، فريق العمل الذين يتذكرون الآن حادثة إطلاق النار التي تعرضت لها سيارتهم، ومن النيران المشتركة التي انفتحت عليهم من الجانبين الأمريكي- العراقي، نتذكرهم مثلما نتذكر أهلنا وجيراننا،ذلك لأن حياتنا ومصيرنا مشترك، أين ما كنا، وفي أي زمان، نحن مع فابيان نبحث عن حادثة مقتل زوجها، ومعها نبحث عن جثته، ومعها نبحث عن الأمل الذي تعول عليه بيننا،لنقف إلى جانبها،علنا ندخل البهجة على قلبها.

 كان عمر فريدريك نيراك ساعة اختفائه، أو ساعة مقتله 43 سنة، اليوم يبلغ عمر غيابه 53 سنة، لقد مرت 10 سنوات على عيني فابيان وهما تتطلعان للطريق الذي قد يعود نيراك منه، ترى هل في البصرة مِنَ العراقيين مَنْ يقول لها كلمة أخيرة؟
 
المصدر: المدى

 

 

 

  • الانتهاكات الحكومية ضد الصحفيين استمرت أثناء تغطية ذكرى تظاهرات تشرين

  • على حكومة العراق الاستعداد للأحداث المتوقعة وإيقاف استهداف الصحفيين

  • لجنة حماية الصحفيين تطالب سلطات العراق بضمان حماية الطائي وضمد

  • قوة أمنية تعتقل صحفيين أثناء التغطية في النجف

  • قوة أمنية تعتدي على كادر الرابعة في البصرة بتحطيم المعدات والضرب والاحتجاز

  • وزير الداخلية يقاضي الإعلامي حيدر الحمداني بتهمة القذف والتشهير

  • قانون جرائم المعلوماتية: مُفصّل على مقاس السلطة.. ومخيّب لتطلعات الصحفيين

  • تعرض المراسل فاضل البطاط الى اعتداء على يد أمن فندق غراند ميلينيوم البصرة